مقالات بالعربية

بادو: فلسفة العمل لدى المغربي ترتبط بتربيته المنزلية والمدرسية




حوار نشر في هسبريس ـ مارس 2012
يعرف سوق الشغل في بداية القرن الواحد والعشرين تحولات مختلفة. ما هي أبرز سمات هذا التحول؟
إن إكراهات الأزمات الاقتصادية المتتالية جعلت من سوق الشغل أكثر تنافسية سواء على مستوى الكم أو الكيف. فبالنسبة للمغرب، نلاحظ أولا اتساع قاعدة الشباب المؤهلين لولوج سوق الشغل في أفق 2015، حيث سيرتفع الضغط على سوق العمل بشكل يستوجب من الآن تهييء الدينامية الاقتصادية التي ستواكبه. من جهة أخرى، ونظرا للمشاكل الاقتصادية لدى شركائنا الأوروبيين والتي بدأت في التحول إلى أزمات اجتماعية، فإن أول من سيضحَّى بهم سيكونون آلاف المهجرين الذين سيضطرون للبحث عن عمل في بلدانهم الأصلية، وبالتالي سيرفعون الضغط أكثر على الاقتصاد الوطني.
أما بالنسبة للمقاولة الصغيرة والمتوسطة، فإن تنافسيتها ستكون على المحك، وبالتالي ستضطر إلى غلق الأبواب في وجه الراغبين في العمل وسترفع من الضغط على العاملين بها للحفاظ على تواجدها في السوق. كلها للأسف أضواء حمراء تنذر بسنوات عجاف لسوق الشغل، لن يتسنى للدولة أن تلعب دور الإطفائي من جديد لإخمادهاا. وبالتالي وجب الاعتماد أولا على خلق أرضية اقتصادية محلية قوية، ثانيا البحث عن التكامل الجهوي مع الدول المغاربية والإفريقية، ثالثا الحفاظ على مصالح المغرب قوية في الاتفاقيات الدولية مع شركائه الدوليين للحد من عجز الميزان التجاري، وأخيرا خلق جيل من المقاولين الذي سيعطون لهذا البلد أكثر مما ينتظرون منه أن يعطيهم.
ما وجهة نظركم في أزمة التشغيل التي لازال المغرب يرزح تحت وطأتها؟
أعتقد أن لا أحد يملك عصا سحرية لحل هذا المشكل في سنتين أو حتى خمس سنوات، فتمثيلية الساكنة النشيطة في الهرم السكاني في تزايد مستمر، وبالتالي وجب العمل من الآن على خلق منظومة ثلاثية الأبعاد مشكلة من العناصر التالية: التعليم والتكوين وتشجيع المبادرة الحرة. إذ أن مساهمة الدولة في التوظيف يجب أن تضمحل من الآن فصاعدا، مع الحرص على خلق نظام لتقييم المردودية داخل القطاع العام حتى يستطيع القيام بالدور الحقيقي المعول عليه. ومن جهة أخرى، من البديهي العمل على ملاءمة التعليم لمستلزمات قطاع الشغل، والعمل على تكوين العاطلين الحاليين لمهن جديدة أكثر واقعية. وأخيرا، تكريس روح المقاولة لدى الأطفال والشباب مع تشجيع المبادرات الحرة من خلال التمويل والتأطير والمواكبة، وهذا طبعا ليس دور الدولة فحسب، وإنما دور القطاع الخاص والمجتمع المدني وقبلهما العائلة.
هل مشكل الموارد البشرية في المغرب راجع لضعف التكوين الجامعي أم لنمط التفكير الثقافي؟
أظن أن المشكل أعمق من ذلك بكثير، فهناك ارتباط بين فلسفة العمل عندنا والتكوين الدراسي والتربية داخل البيت. فمراكز التكوين بالمغرب من جامعات ومعاهد عمومية تسير بسرعات مختلفة، خصوصا حين ننظر إلى أعداد الطلبة المتزايدة والتجهيزات المتوفرة لتسهيل دراستهم وإقامتهم. اليوم يمكننا القيام بقراءة بسيطة لنستخلص أن الدراسات المتخصصة تعطي خريجين أكثر جاهزية لسوق الشغل من الدراسات العامة. فيجب اليوم القطع مع الفكرة التي تقول بكون الجامعة المغربية هي ملجأمن لا ملجأ له. فجامعاتنا مليئة بالطاقات الشابة والواعدة التي تستلزم فقط قليلا منا لعناية والتوجيه لتكون موردا بشريا ذا كفاءة عالية وفيمة مضافة.
ما هي فلسفة العمل في مجتمعنا؟ هل يمكن أن تشرح ذلك بحالة أخرى، أي فلسفة العمل ثم علاقتها بالتربية بلدان أخرى
فلسفة العمل تتطور بتطور مجتمعنا. فاليوم لازلنا في المرحلة التي تعتبر الدراسة، خصوصا في القطاع الخاص، استثمارا من طرف الآباء "لضمان مستقبل جيد ووظيفة قارة" لأبنائهم. وهذا مفهوم بالنظر إلى كون الهم الأساسي للآباء يكون عادة مبنيا على تدبير مرحلي لفترة معينة من حياة الأبناء. لكن من جهة أخرى، حين نسأل هؤلاء الأبناء عن نوعية المستقبل الذي يودونه لأنفسهم، قد نتفاجئ من الجواب. ففي دراسة أجريت مؤخرا من طرف أحد مكاتب التوظيف بالمغرب، نجد أن 72% من الشباب حديثي التخرج يودون خلق مقاولاتهم في أفق الخمس سنوات التي تتلو تخرجهم. ورغم كونها نسبة عالية حين نقارن بين القول والفعل، فمقارنتها مع نسب دول أخرى كفرنسا ( 57% في العشر سنوات التي تتلو التخرج ) وأمريكا (حوالي 84%) تظهر أن الشباب المغاربة تواقون أكثر إلى الخلق والإبداع. ومن هنا تأتي أهمية المواكبة والتكوين لهؤلاء الشباب لاستغلال هذه الطاقة ليس فقط لتشغيل أصحابها بل وكذلك لخلق مناصب شغل جديدة. لكن لا يجب أن نغفل هنا الارتباط القوي بين المستوى الاجتماعي للطالب أو الخريج ورغبته في ولوج سوق الشغل. فكلما ارتفع الضغط المادي إلا وتدفن الموهبة ليبرز محلها الاستعداد لتقبل أول عمل مدر للدخل.
ما نظرة التربية في المغرب للعمل في مؤسسات الدولة؟
حين ننظر إلى السياق التاريخي نجد أن مجموعة من الدول، من بينها المغرب، قد فتحت أبواب الإدارات والمصالح العمومية مشرعة أمام الخريجين من المدارس الابتدائية إلى الجامعات بُعيد الاستقلال، وذلك أولا نظرا للخصاص الذي استلزم ملؤه لبناء مؤسسات ومصالح الدولة، وثانيا كوسيلة لتنفيس الضغط الاجتماعي عند الحاجة. فكون ذلك لدى الأجيال المتعاقبة فكرة مفادها أن الشغل في "الدولة" مضمون ومريح وللأبد، حتى أن بعض الآباء يدْعون لأبنائهم بوظيفة في القطاع العام. اليوم، وبعد أن أصبحت كتلة الأجور تثقل كاهل ميزانية الدولة، أصبحت هذه الوسيلة متجاوزة، ويجب على الشباب الواعي والذي لم يحظ للأسف بتكوين مساير للحاجيات الحالية لسوق الشغل أن يطور من قدراته ليتأقلم من جديد، ففي القطاع الخاص، ورغم وجود بعض المشاكل الهيكلية، هناك فرص عديدة لتحقيق الذات.
يعمل المغربي بشكل أفضل حين يهاجر لماذا؟
شخصيا أنا لا أتفق مع هذا القول، فالمغربي "نفسه حارة" ولا يقبل أن يعاب عليه أنه لم يؤد عمله بشكل جيد سواء أكان داخل المغرب أو خارجه. هناك طبعا، كما في جميع المجتمعات، أفراد يفضلون العمل أقل والكسب أكثر، وهي ثقافة يجب أن تنمحي بفضل التربية الأسرية والمدرسية.
لدي ادعاء: في المغرب أعرف فلاحين يشترون البيض والخضر. أستنتج أن موارد المغرب ضخمة ولكن موارده البشرية لا تستثمرها. ما قولك؟
في المغرب هناك الكثير من الطاقات، الطبيعية منها والبشرية. المشكل اليوم هو كيف نلاقي بين هذه الخيرات ومن من يحسن استغلالها. قد يكون لدى البعض منا شيئ من الثقافة الاتكالية، للكسب أكثر بمجهود أقل، وهذا الجانب لا يمكن تغييره سوى بالتربية داخل وخارج البيت، وكذا بإبراز أمثلة ناجحة لأفراد عاديين نجحوا لأنهم أخذوا المبادرة دون الاتكال على أحد. وعلى صعيد آخر، أعتقد أن مشروعا من قبيل الجهوية الموسعة سيساهم في دفع كل جهة لاستغلال خيراتها على أحسن وجه، مع خلق روح تنافسية حميدة بين الجهات سيكون لها من دون شك وقع إيجابي في تطوير روح المبادرة لدى الشباب المحلي.
لماذا يصر خريجو الجامعات المغربية على الوظيفة العمومية؟
لحسن الحظ أن البعض فقط من خريجي الجامعات المغربية من لا يقبل للوظيفة العمومية بديلا، وهذا نتاج تَشكُل صورة سلبية عن الإدارة العمومية كونها مركز للاستقرار يخلو من التنافسية أو تقييم المردودية لإعطاء الأفضل. هذا نتاج تراكم الأخطاء على عدة مستويات، منها التربوي والتكويني والتدبيري. إن زمن تحمل الدولة للتعليم والتشغيل والصحة لكل المواطنين قد ولى، وحتى الدستور الجديد ألغي منه الفصل الذي بموجبه تضمن الدولة حق التشغيل، وأضحت ملزمة فقط بتوفير الأرضية الملائمة لخلق فرص الشغل وتيسير الوصول إليها. هذا لاينفي وجود ضرورة ملحة لحل بعض الملفات العالقة، لكن الأهم هو وقف نزيف خريجي التكوين الغير ملائم لحاجيات سوق الشغل، وتحمل الدولة من جهة والخريجين من جهة أخرى لمسؤولياتهم في هذا الاتجاه.
هل يمكن أن تفصل نقط جاذبية العمل في القطاع الخاص؟
من أهم مميزات القطاع الخاص أولا، تعدد الفرص. فعددُ مؤسسات وإدارات القطاع العام لا يصل إلى عُشر عدد شركات القطاع الخاص، وبالتالي فإن إمكانية إيجاد فرصة عمل في الشركات الخاصة أكثر بكثير من القطاع العام، مع توفر المؤهلات المعرفية والشخصية اللازمة لذلك بطبيعة الحال. ثانيا، التدرج في المسؤولية، وبالتالي رفع الدخل أسرع بالقطاع الخاص. فحاملو الشواهد على الخصوص، أكثر من اليد العاملة، لهم إمكانية الارتقاء سواء في مؤسسات عائلية، أو محلية أو دولية، خصوصا حين تحضُر الكفاءة والتفاني في العمل، وهذا مثبت بالتجربة. هناك طبعا للأسف شركات في القطاع الخاص لا تحترم حقوق الشغيلة، وهنا تحضر ضرورة المراقبة والزجر القانوني.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Khalid Baddou

Ma photo
Fan du Maroc, professionnel de la Communication et Media, en cours d'initiation à la politique...